فصل: مسألة استحقت عليها القسامة فجاء رجل آخر فقال أنا والله قتلته:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة عبد وحر اصطدما فماتا جميعا كيف يحكم فيهما:

من نوازل سئل عنها أصبغ وسئل أصبغ عن عبد وحر اصطدما فماتا جميعا كيف يحكم فيهما؟ قال: يكون في مال الحر قيمة العبد يدفع إلى سيده، ثم يقال لسيد العبد افتك قيمته بدية الحر أو أسلمها، فإن أسلمها لم يكن لولاة الحر غيرها وإن افتداها، افتداها بجميع الدية.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا في هذه المسألة يأتي على ما مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم من أن سيد العبد يخير في جنايته على الحر بين أن يسلمه بها أو يفتديه بها مؤجلة في ثلاث سنين لا حالة؛ لأن معنى قوله وإن افتداها، افتداها بجميع الدية معناه في ثلاث سنين، إذ لو لم تكن مؤجلة لوجب أن يكون مقاصة بالقيمة كما قال في المدونة، وقد مضى هذا مبينا في أول رسم من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق.

.مسألة يقول إن مت من جراحاتي ففلان غلام فلان بي:

وسئل عن الرجل يقول: إن مت من جراحاتي ففلان غلام فلان بي، فيوجد لفلان ذلك غلام يسمى بذلك الاسم فيقر السيد باسمه بهذا الاسم ويزعم أنه لا غلام له غيره يسمى بهذا الاسم أو يزعم أنه كان له غلمان يسمون بهذا الاسم وليسوا اليوم في ملكه، أو يزعم في بعض من هلك من غلمانه أن هذا اسمه كذا وكذا لذلك الاسم الذي سماه المجروح، ولا يعلم ذلك إلا بقول السيد أو يرمي رجلا حرا ويسميه باسمه واسم أبيه ولا يعرفه الشهداء ويذكر مسكنه فيوجد في ذلك الموضع الذي سماه له مسكن ذلك الاسم وتلك النسبة أو لا يوجد بموضعه ذلك الاسم ولا تلك النسبة، وعلى من يرى طلب أنه ليس بهذا الموضع أحد غير هذا فنحن نقسم عليه، ويقول الآخر لا علم لي، فكيف إن كان لرجل غريم غائب أو أبق له عبده فأثبت دينه وصفة غريمه أو عبده عند القاضي فكتب له كتابا باسمه وحليته كلها على حال ما ثبت عنده ليطلبه به فتوجد تلك الصفة فأنكر أن يكون غريمه أو أن يكون عبده وهو عبد لرجل آخر بالمكان الذي وجد به، على من ترى طلب أنه ليس بذلك المكان من يسمى بذلك الاسم وعلى تلك الحلية أعلى المدعي أو على المدعى عليه أم يكون كشف ذلك على السلطان؟ وهل تأخذ بهذا القول أنه إن لم يوجد بذلك المكان مثله أن ذلك يلزمه إلا أن يأتي بالمخرج، فإنه بلغني عن عبد الملك أنه قال في العبد: إنه توضع قيمته ثم يأخذه فيسيره به إلى موضع شهوده، فإن عرفوه بعينه أخذوه وإلا رده، فإن رأيت قوله حسنا أرأيت إن وضع قيمته فأخذه فوجد شهوده قد ماتوا أيكون له شيء أم لا؟ قال أصبغ لا أرى أن يعبأ بقول السيد، وأرى أن يقع على ذلك الغلام الذي يعرف في ملكه بذلك الاسم يوم قال المجروح مثل ما قال، ويوم ادعى أنه جرحه ولا يلتفت إلى ما قبل ذلك من دعوى السيد ولا الغلام إلا بأمر يعرف سببه فإن عرف السبب أنه قد كان يوم الجراح له مثل ذلك أشكل ذلك حينئذ وكف عنه حتى يقع على واحد معروف، وإلا فهو هو إذا لم يكن غيره من السبب ومعرفة الناس ولا بشبهة يذكر غير ذكر السيد والعبد، وكذلك أمر الحر في الحقوق وغيره يقع ذلك على المنسوب المعروف في موضعه وفي صفاته إذا لم يكن في الحارة أو في البلدة غير ذلك، فإن كان وأشكل ترك حتى يعرف ويستثبت، وهذا يجزيك من جميع مسألتك التي طولت فيها وأكثر.
قال محمد بن رشد: لم يأت أصبغ في هذه المسألة بجواب بين عما يسأله عنه إذا وجد في ملك الرجل الذي ذكر أنه قتله غلامه عبد يسمى بذلك الاسم فأنكر السيد أن يكون هو المدعى عليه وزعم أنه قد كان له عبيد يسمون بذلك الاسم أو وجد بالبلد الذي ادعى أن فيه الحر الذي دمى عليه رجل يسمى بذلك الاسم وينتسب بتلك النسبة فأنكر أن يكون هو المدعى عليه أو وجد بالبلد الذي ادعى أن فيه غريمه رجل يسمى بذلك الاسم فأنكر أن يكون هو غريمه على من يكون طلب أنه ليس بهذا الموضع أحد غير هذا يسمى بهذا الاسم أعلى المدعي أم على المدعى عليه لأنه قال: إن التدمية تلزم للغلام الذي يعرف في ملكه بذلك الاسم يوم دمى عليه، ولا يلتفت إلى قول السيد إلا بأمر يعرف سببه فيشكل الأمر حينئذ ويكف عنه حتى يعرف بعينه، قال وكذلك أمر الحر في الحقوق وغيره يقع ذلك على المنسوب المعروف في موضعه إذا لم يكن فيه غيره فإن كان فيه غيره أشكل الأمر وترك حتى يستثبت فيه، هذا معنى قوله وفيه دليل على أن على المدعى عليه أن يثبت أن في البلد سواه من يتسمى بذلك الاسم وينتسب إلى ذلك النسب، فإن لم يثبت ذلك لزمته التدمية إن كان مدعى عليه، أو الحق إن كان مطلوبا بحق، وهو مذهب أشهب وقول ابن القاسم في المدنية، وقيل: إن على الطالب أن يثبت أنه ليس بالبلد سواه من يتسمى بذلك الاسم وينتسب إلى ذلك النسب يريد على العلم، فإن لم يثبت ذلك لم يلزم هذا شيء، وهو الذي يدل عليه قول ابن وهب في سماع عبد الملك بن الحسن من كتاب الأقضية، وقد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى هناك وفي رسم العتق من سماع عيسى من الكتاب المذكور فلا معنى لإعادته.

.مسألة العبد يسلم للقتل ثم يستحيى:

قال أصبغ: اختلف قول ابن القاسم في العبد يسلم للقتل ثم يستحيى فمرة قال: لا يكون ماله تبعا له لأن إسلامه للقتل وإن استحيي كقتله، ومرة قال: يكون ماله تبعا له إذا استحيي، قال أصبغ: والقول الأول أحب إلي ألا يكون ماله تبعا له إذا استحيي، ثم رجع أصبغ وقال: إنه يسلم بماله؛ لأنه لما عفا عنه كان بمنزلة الخطأ وسواء قتل عبدا أو حرا أو كان جرحا أو نفسا قال أشهب: يؤخذ بماله في العمد والخطأ إلا أن يستقاد منه.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم الأول الذي رجع عنه أصبغ أظهر من القول الثاني الذي رجع إليه؛ لأنه لما أخذه ليقتله وقد علم أنه إذا قتله يبقى ماله لسيده فإذا استحياه بعد أن أخذه ليقتله فقد رضي أن يأخذه في جنايته دون ماله، إلا أن يفتديه منه سيده بجنايته فعلى القول الأول يكون سيده مخيرا بين أن يسلمه دون ماله أو يفتكه بجنايته، وعلى القول الثاني يكون مخيرا بين أن يسلمه بماله كما لو استحياه قبل أن يأخذه ليقتله، وبين أن يفتكه وماله بجنايته، والحكم في مال العبد الجاني أن يكون معه في الجناية وكذلك ما أفاد بعد هذا أو كسب، قال ذلك ابن القاسم في المجموعة، قال سحنون: وقال غيره إن كان ماله عينا لم يخير سيده ووديت من ماله إن حملها وأما إذا لم يحملها أو كان عينا غائبا أو عرضا فيخير سيده، ومذهب ابن القاسم أن يخير سيده على كل حال وإن كان ماله عينا يفي بالجناية والله أعلم.

.مسألة الذي يطرح جنين الأمة ما عليه:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد بن أبي الغمر سئل ابن القاسم عن الذي يطرح جنين الأمة ما عليه؟ قال: عشر ثمن أمه، قيل له أرأيت إن استهل صارخا حين طرح؟ قال: يغرم ثمنه على قدر الرجاء فيه والخوف.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا خرج ميتا ففيه عشر ثمن أمه لا اختلاف في ذلك في المذهب، قال ابن نافع عن مالك: زادت عشر قيمتها على الغرة أو نقصت، وسواء كان أبوه حرا أو عبدا لأنه تبع لأمه، قال ذلك مالك في المجموعة وابن القاسم وأشهب، ومذهب الشافعي في ذلك كمذهب مالك، وقال أبو حنيفة إن كان ذكرا ففيه نصف قيمته لو كان حيا، وإن كان أنثى ففيها عشر قيمتها لو كانت حية، وذكر عن أبي يوسف أن فيه ما نقص من أمه كما يكون في جنين البهائم، وقال حماد: فيه حكومة وهو نحو قول أبي يوسف وقال سعيد بن المسيب فيه عشرة دنانير، وأما قوله إذا استهل صارخا أن فيه قيمته على الرجاء والخوف ففيه نظر، إذ لا يقوم على أنه يعيش أو يموت وقد خرج مطروحا بالجناية على أمه وإنما يقوم فيقال كم كانت تكون قيمته اليوم لو وضعته أمه من غير جناية عليه؟ فتكون عليه قيمته بالغة ما بلغت وبالله التوفيق.

.مسألة رجل كان له ابن يجري الخيل فأتاه رجل فسأله إياه أن يجري فرسه فأذن له فوقع من الفرس فمات الصبي:

وسئل عن رجل كان له ابن يجري الخيل فأتاه رجل فسأله إياه أن يجري فرسه فأذن له فوقع من الفرس فمات الصبي، قال: لا نرى على الذي حمله شيئا إلا عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لأنه من الخطأ، وأما الدية فلا أرى عليه دية لأنه بمنزلة رجل عفا عن ديته فهو إذا أذن له أن يحمله على فرس فهلك فهو من الخطأ، وهو بمنزلة ما لو عفا عن ديته لأن الدية إنما تصير إليه وحده.
قال محمد بن رشد: معناه إذا لم يكن له أم وذلك بيّن من قوله: لأن الدية إنما تصير إليه وحده ولو كانت له أم لكان على عاقلته ثلث ديته لأمه وبالله التوفيق.

.مسألة جرح رجلا جرحا فترامى جرحه فمات:

وعن رجل جرح رجلا جرحا فترامى جرحه فمات فاستحق وليه الدم فعفا عنه على أن يخرج من ذلك البلد فإن وجده فيه قتله فخرج ثم إنه وجده فيها قال: أرى أن يقتل به.
قال محمد بن رشد: زاد ابن حبيب فإن شرطوا إن لم يفعل أو فعل ثم عاد فله الدية، فإن كان الذي قد ثبت حين الصلح فذلك جائز في القود والدية، وإن كان لم يثبت لم يجز إلا أن يقولوا فإن لم يفعل أو فعل فعاد فنحن على حجتنا في الدم وكذلك الجراحات مثله وبالله التوفيق.

.مسألة طلب غريقا فلما أخذه خشي على نفسه الموت فسرحه:

وقال ابن القاسم في رجل طلب غريقا فلما أخذه خشي على نفسه الموت فسرحه، قال: لا شيء عليه، ولو أنه ذهب يعلمه العوم فلما خشي على نفسه سرحه قال: فذلك عليه، يريد الدية.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله في الوجهين جميعا؛ لأن الذي ذهب يعلمه العوم غره بما فعل، فوجب عليه الضمان بتسريحه إياه حين خشي على نفسه الموت، وهو من الخطأ، فقوله فذلك عليه يريد الدية على العاقلة والله أعلم، وأما الذي طلب الغريق لينجيه فلما خشي على نفسه سرحه فلم يغره بشيء، وإنما أراد الخير فيما فعل فلم يكن في تسريحه شيء، إذ لو لم يطلبه ولا أخذه لغرق أيضا، فلم يضره فيما فعل وبالله التوفيق.

.مسألة يقتل فيوجد بمكة فيقوم أولياؤه أترى أن يقتل في الحرم:

وعن الرجل يقتل فيوجد بمكة فيقوم أولياؤه أترى أن يقتل في الحرم؟ وقد قال تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] قال: نعم يقتل ولا ينتظر به الفراغ من حجه والحرم أحق ما أقيم فيه حدود الله.
قال محمد بن رشد: مثل هذا ما تقدم من قول مالك في آخر سماع أشهب، ولا أحفظ فيه اختلافا بين أحد من فقهاء الأمصار، وقول الله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] إنما هو إخبار عما كان في جاهليتهم على ما قاله أهل التفسير، لو أن رجلا جرح حرة ثم لجأ إلى الحرم لم يطلب ولم يتناول، فأما في الإسلام فإن الحرم لا يمنع من حد، من قتل قتل ومن أصاب حدا أقيم عليه، قال الحسن: أصابه فيه أو في غيره، وروي عن ابن عباس أنه قال: إذا أصاب الرجل الحد في الحرم أقيم عليه، وإن أصابه في غيره ثم لجأ إليه فإنه لا يكلم ولا يجالس ولا يؤوى حتى يخرج منه فيؤخذ فيقام عليه الحد، وقيل إنه إذا لجأ إليه أخرج منه فأقيم عليه وبالله التوفيق.

.مسألة يقتل ولا يترك إلا ولدا أصاغر أو لا ولي له إلا السلطان:

وقال في الذي يقتل ولا يترك إلا ولدا أصاغر أو لا ولي له إلا السلطان قال: يقيم لولده وليا فيجعله خليفة عليهم بعد أبيهم فيكون من ولاة السلطان ذلك من أمرهم بمنزلة الوصي الولي فإن رأى أن يأخذ للأيتام العقل أخذه وإن رأى أن يقتل قتل، ويمضي الذي رأى في ذلك إلا أنه إن عفا عن القاتل بغير شيء يأخذه للأيتام فرأى أن لهم فيه خطأ لم يجز ذلك؛ لأن ذلك ليس فيه نظر للأيتام أن يترك حقهم بغير شيء أخذه لهم، فلا عقل أخذه ولا قود فلا يجوز ذلك، وإن رأى أن يصالح بالدية كاملة صالح، ولا يكون له أن يصالح بدون الدية إن كان مليا بها، فإن لم يكن مليا بها جاز صلحه على ما يرى إذا كان على وجه النظر لهم، وإذا صالح بدونها والقاتل مليء بها لم يجز ذلك، ورجع على القاتل ولم يرجع القاتل على الولي بشيء.
قال محمد بن رشد: أجاز أشهب أن يصالح بأقل من الدية على وجه النظر ما لم يكن يسيرا جدا فتبين فيه المحاباة، وقول أشهب أصح على مذهب ابن القاسم، وقول ابن القاسم أصح على مذهب أشهب، أصل ذلك اختلافهم في القاتل هل هو مجبور على غرم الدية؟ فمن جبره على غرم الدية وهو المعلوم على مذهب أشهب فيلزمه ألا يجيز للوصي أن يصالح بأقل من الدية إذا كان مليا، ومن لم يجبره على غرم الدية وهو المعلوم من مذهب ابن القاسم أجاز صلح الولي بأقل منها لا على وجه النظر لأنه مال لم يملك أخذه وبالله التوفيق.

.مسألة شق جوف رجل حتى بلغ إلى مقاتله ثم جاء رجل آخر فقتل الذي شق جوفه:

وقال في رجل شق جوف رجل حتى بلغ إلى مقاتله ثم جاء رجل آخر فقتل الذي شق جوفه وكان حينئذ حيا قبل أن يقتل القاتل الآخر، ولا يكون على الذي شق جوفه إلا الأدب فقط، قيل له فإنه لو لم يقتله لم يحيا، قال: وإن.
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم أول عبد ابتاعه من سماع يحيى فلا معنى لإعادته.

.مسألة استحقت عليها القسامة فجاء رجل آخر فقال أنا والله قتلته:

وقال في جماعة أربعة أو خمسة شهد عليهم شاهد أنهم قتلوا رجلا فاستحقت عليها القسامة فجاء رجل آخر فقال: أنا والله قتلته إنه لا يقتل واحد منهم إلا بقسامة لا الذي أقر ولا الآخرون إلا بقسامة.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة عندي أن المقتول كانت له حياة بعد الجرح، وإنما وجبت لهم القسامة مع الشاهد الواحد على الجرح، ولذلك قال: إنه لا يقتل واحد منهم إلا بقسامة لا الذي أقر ولا الآخر، ولو لم تكن له حياة فقال المقر أنا قتلته قتلا مجهزا لكان لهم أن يقتلوه بلا قسامة، وقد مضى بيان القول في هذا في آخر سماع سحنون وفي أول سماع عيسى وبالله التوفيق.

.مسألة ضرب رجلا خطأ وجاء آخرفضربه عمدا:

وعن رجل ضرب رجلا خطأ وجاء آخر فضربه عمدا إن مات مكانه قتل به الذي ضربه عمدا، وكان على الذي ضربه خطأ نصف الدية، وإن عفا عن القاتل عمدا سجن عاما بعد مائة سوط، وإن عاش بعد ضربهما جميعا ثم مات أقسم ولاته على أيهم شاءوا، فإن أقسموا على الذي ضربه عمدا قتل به ولا شيء على الآخر، وإن أقسموا على الذي ضربه خطأ كانت عليه الدية كاملة وبرئ الآخر، إلا أن يعلم أنه ضربه ضربة لا يموت من مثلها، فإن كان كذلك فلا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: قوله: إنهم إن أقسموا على الذي ضربه عمدا قتل به ولا شيء على الآخر وإن أقسموا على الذي ضربه خطأ كانت عليه الدية كاملة وبرئ الآخر خلاف ما تقدم في رسم المكاتب من سماع يحيى، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك مستوفى، وذكرنا هناك أن رواية أبي زيد هذه تأتي على أصل أشهب حسبما بيَّناه فلا معنى لإعادته.
وأما قوله إذا مات من الضرب مكانه إنه يقتل به الذي ضربه عمدا ويكون على الذي ضربه خطأ نصف الدية يريد على العاقلة، فهو بيّن لأنهما قد اشتركا جميعا في قتله، ودم الخطأ يتبعض ودم العمد لا يتبعض فإذا قتل الجماعة رجلا قتلوا به جميعا، وإذا قتلوه خطأ لم يكن فيه إلا دية واحدة على عواقلهم أجمعين وبالله التوفيق.

.مسألة قال والله ما زلت من يوم ركضني فلان منها بشر وما قتلتني إلا ركضته:

وعن رجل ركض رجلا برجله البطن فمكث أياما فزعم أنه يجد من الركضة على فؤاده أمرا شديدا فمات، قال: ينبغي لمثل هذا أن يخوف ويذكر الله، فإن أصر وقال والله ما زلت من يوم ركضني فلان منها بشر، وما قتلتني إلا ركضته رأيت أن يقسموا معه ويستحقوا دمه إذا كان مضطجعا من يوم ركضه حتى مات، وإن لم يضطجع إذا رئي به ضرر ذلك وشينه كان بمنزلة الاضطجاع.
قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما تقدم من قول ابن كنانة في آخر رسم العتق من سماع عيسى، ومثل ما تقدم بالدليل من مسألة رسم أول عبد من سماع يحيى وقد مضى الكلام على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته.

.مسألة الذي يدعي الدم قبله إذا نكل ولاة المقتول عن القسامة:

وقال في الذي يدعي الدم قبله إذا نكل ولاة المقتول عن القسامة وردوها على أولياء القاتل فحلفوا وبرأوا صاحبهم لم يكن بد من أن يجلد مائة ويحبس عاما.
قال محمد بن رشد: قوله وردوها على أولياء القاتل فحلفوا وبرأوا صاحبهم هو مثل ما في أول رسم من سماع عيسى، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك وذكر ما فيه من الاختلاف وتوجيهه فلا وجه لإعادته.

.مسألة قال عند موته فلان قتلني وناس معه:

وقال في رجل قال عند موته فلان قتلني وناس معه، قال يقسمون على الذي سمى ويقتلونه، وأما قوله وأناس معه فإن عرفوا وأثبتتهم البينة أنهم ضربوه معه أقسموا على أيهم شاءوا منهم.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم من المعلوم من مذهب مالك في غير ما موضع من أنه لا يقتل بالقسامة إلا رجل واحد والله الموفق.

.مسألة ليس الشهر للمتهم المريب بكثير:

وقال في رجل اتهم بقتل رجل عمدا فحبس ولا بينة لهم على ذلك فأقر على نفسه أنه قتله خطأ أعليه البينة أنه قتله خطأ أم لولاة المقتول من الدية شيء أم يطال حبسه؟ قال: قال مالك: يطال حبسه لعله يأتي عليه بلطخ، فإن لم يأت عليه بشيء من ذلك أقسم خمسين يمينا وخلي سبيله، ولو أنه أتى بشاهد من أول وهو ممن لا يتهم أنه يريد غنى ولده أقسم ولاة المقتول مع قوله: إني قتلت فلانا خطأ واستحقت الدية كاملة كذلك قال مالك.
قال محمد بن رشد: قوله إنه يطال حبسه يريد الثلاثين يوما ونحوها على ما قاله في سماع عبد الملك من أنه ليس الشهر للمتهم المريب بكثير، وقوله لعله يأتي بلطخ يريد بلطخ يكون لوثا فيقسمون معه ويقتلونه أو لا يبلغ أن يكون لوثا فتستحق المرأة الطويلة حتى يتبين براءته وتأتي عليه السنون الكثيرة على ما قاله في الواضحة حسبما بيناه، وقال إنه إن لم يأت عليه بشيء يستحلف خمسين يمينا ويخلى سبيله يريد ولا يكون لهم عليه بإقراره على نفسه بالخطأ دية، ولا شيء؛ لأنهم لما ادعوا العمد فقد أقروا أن حقهم إنما هو في دمه لا في ماله ولا على عاقلته، وقوله ولو أنه أتى بشاهد من أول معناه ولو أن الولاة ادعوا الخطأ من أول ولم يدعوا العمد واستظهروا بشهادته على نفسه بأنه قتله خطأ وهو ممن لا يتهم بأنه أراد غنى ولد المقتول مثل أن يكون صديقا له ملاطفا على ما قاله في المدونة أقسموا مع قوله: إني قتلت فلانا خطأ واستحقوا الدية كاملة ولم يبين هل تكون في ماله أو على العاقلة فقيل: إنها تكون في ماله لأن العاقلة لا تحمل الإقرار، وقيل إنها تكون على العاقلة، والقولان في كتاب الصلح من المدونة وبالله التوفيق. تم كتاب الديات بحمد الله تعالى وحمد عونه.

.كتاب الجناية الأول:

.مسألة شج رجلا موضحة فصارت منقلة فأراد أن يقتص له من الموضحة:

من سماع عبد الرحمن ابن القاسم من مالك من كتاب سن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قال سحنون: أخبرني ابن القاسم قال: سئل مالك عن رجل شج رجلا موضحة فصارت منقلة فأراد أن يقتص له من الموضحة ويأخذ فضل المنقلة فوقف فيها، ثم قال: أكتب إليه إن أراد أن يأخذ عقل المنقلة فذلك له، وذلك أنها إنما صارت منقلة لأن الضربة هشمت العظم والبط لا يأتي منه منقلة، وسكت عن القصاص، قال ابن القاسم: قد كان يقول قبل ذلك يقاد له من الموضحة فإن صارت منقلة فلا شيء له، وإن برأت موضحة ولم تصر منقلة عقل له ما بين عقل الموضحة والمنقلة ورأى أن يعجل فيها كما يعجل في الجراح إذا قطع كفه أو أصبعه فتآكلت أكثر مما قطع منها أقيد مما أصاب منه ثم استؤني به فإن برأت على حالها عقل له ما بينهما، وإن تآكلت أقل مما أكلت يد الأول عقل له على قدر ذلك وإن أكلت مثل أو أكثر من يد الأول لم يكن على الأول شيء، قال ابن القاسم: لم يزل مالك يقول يأخذ عقل منقلة ولا شيء له في القصاص، قال سحنون: وأنا أقول كل من جرح رجلا جرحا مما مثله يفرغ في بعض، مثل أن يجرحه ملطاة فتصير موضحة، أو يجرحه موضحة فتصير منقلة أو يجرحه منقلة فتصير مأمومة، فهذه الجراح كلها مما يفرغ بعضها في بعض، فإذا جرح رجل رجلا بعض ما وصفت لك من هذه الجراح ثم ترامت إلى نحو ما وصفت لك مما يفرغ بعضه في بعض فاحكم له بالجرح الذي ترامى إليه كأن الجارح جرحه إياه، ولا يلتفت إلى الأول، وإذا ترامى الجرح إلى غير ما وصفت له مما لا يفرغ بعضه في بعض مثل أن يجرحه موضحة فيذهب منها عينه أو تشل منها يده فأحكم له بالجرح الأول موضحة كان أو غيره وبعقل اليد والعين جميعا كأن الجارح جرحه إياهما.
قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة في السؤال فأراد أن يقتص له من الموضحة ويأخذ فضل المنقلة معناه فأراد أن يقتص له من الموضحة ويأخذ فضل المنقلة إن برئ المقتص منه من الموضحة دون أن تصير منقلة، وقول مالك: أكتب إليه إن أراد أن يأخذ عقل المنقلة فذلك له، وذلك أنها إنما صارت منقلة؛ لأن الضربة هشمت العظم يدل دلالة ظاهرة أنه خيره بين أن يأخذ عقل المنقلة وبين أن يقتص من الموضحة ويأخذ عقل فضل ما بينهما وبين المنقلة إن لم تصر موضحة المقتص منه منقلة فهو خلاف قوله الثاني الذي حكى ابن القاسم عنه أنه رجع إليه من أنه يأخذ عقل المنقلة، ولا شيء له في القصاص، وهذا القول أقيس على تعليله بأن الضربة هشمت العظم والبط لا تأتي منه منقلة والتخيير بين أن يأخذ عقل المنقلة وبين القصاص استحسان.
وأما قول مالك الأول وما حكى سحنون أنه مذهب ابن القاسم من أن يقتص من الموضحة ويأخذ عقل فضل ما بين الموضحة والمنقلة إن برئ المقتص منه دون أن يترامى أمره إلى منقلة فهو القياس على ما أجمعوا عليه في الذي يترامى جرحه إلى شيء آخر مثل أن يجرحه موضحة فتذهب منها عينه، وكذلك لو جرحه ملطاة فصارت موضحة لكان بالخيار بين أن يقتص من الملطاة وبين أن يأخذ عقل الموضحة على أحد قولي مالك، وعلى قوله الآخر ليس له إلا عقل الموضحة لا القصاص منها، إذ لا يصح القصاص مما آل إليه الجرح وإنما فيه الدية، وعلى قول مالك الأول ومذهب ابن القاسم يقتص له من الملطاة، بأن صارت موضحة وإلا عقل له ما بين الملطاة والموضحة وبالله التوفيق.

.مسألة لو جرح عبد موضحة فأعتقه سيده بعد الجرح ثم ترامت بعد عتقه إلى منقلة:

قلت لسحنون: فلو جرح عبد موضحة فأعتقه سيده بعد الجرح، ثم ترامت بعد عتقه إلى منقلة، قال: يكون عليه عقل موضحة عبد وعقل ما بين الموضحة والمنقلة من دية الحر.
قال محمد بن رشد: قوله يكون عليه عقل موضحة عبد يريد لسيده، وقوله وعقل ما بين الموضحة والمنقلة من دية الحر يريد العبد المعتق، وقول سحنون في هذه المسألة هو على قياس قول ابن القاسم وقول مالك الأول في الذي يجرح رجلا موضحة فتصير منقلة أنه يقاد له من الموضحة ويعقل له ما بين الموضحة والمنقلة إن برئ المقتص منه دون أن يصير جرحه بالقصاص منه منقلة خلاف ما اختاره وأخذ به في ذلك من أنه يحكم له بالجرح الذي ترامى إليه كان الجارح جرحه إياه، والذي يأتي في الذي تصير موضحته منقلة بعد العتق على قياس قوله في هذه المسألة أن يكون على الجارح دية منقلة حر لسيد العبد المجروح، فقول سحنون في هذه المسألة معترض لقوله في المسألة المتقدمة وعلى خلاف أصله فيها، وقال ابن الماجشون: على جارحه دية منقلة حر للعبد المعتق يحكم للمجروح بما آل إليه الجرح من المنقلة، وهو أبعد الأقوال؛ لأنه جعل تراقي الجرح بعد العتق إلى ما فوقه كتراقيه إلى الموت على مذهب ابن القاسم الذي يرى في ذلك دية الحر كاملة وقد مضى الكلام على هذا في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب الديات.

.مسألة من حق الجارح أن يقتص ممن جرحه:

وقال مالك: إذا اقتص الرجل من الجراح فإني أرى أن يقتص له طبيب وأرى جعله على الذي يقتص له، ومثل ذلك بالدين، قال ابن القاسم وتفسير الدين أن يكون على الرجل الدين فيرسل إليه من يقبضه فعلى صاحب الدين جعله، وليس على الذي عليه الدين شيء.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله لأن من حق الجارح أن يقتص ممن جرحه، ولم يمكن من أن يأخذ ذلك بيده مخافة أن يتعدى في القصاص، فوجب أن يكون الجعل في ذلك على الذي كانت عنه النيابة، وقد قيل إن الجعل في ذلك على المقتص منه؛ لأن القصاص حق عليه يجب أن يوفيه لصاحبه فيكون عليه أجرة الذي يقتص منه، كما يكون على المطلوب بمكيل أو موزون أجرة الكيل والوزن، وهو مذهب الشافعي، وفيه بُعد إذ لا يجب على الجارح أن يقتص من نفسه للمجروح، وإنما الذي يجب عليه القصاص أن يمكن من نفسه للقصاص منه فذلك بخلاف توفية الحقوق المكيلة والموزونة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} [يوسف: 88] وبالله التوفيق.

.مسألة ركب ورمحه في يده فأصاب به فرس رجل وهو لا يتعمده:

ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه:
وسئل مالك عن رجل كان في أرض العدو وأنه دخل وجماعة من المسلمين مضيقا فخاف على نفسه وعلى ميت معه فنزل وأمر أصحابه بالنزول فقالوا له: لا نفعل، فإنا نخشى أن يقطع بنا العدو، فاركب فركب ورمحه في يده فأصاب به فرس رجل وهو لا يتعمده وصاحبه لا يعلم فلم يسيروا إلا يسيرا حتى سقط الفرس وصاحبه يظن أن العدو هم الذين أصابوه أفترى عليه شيئا؟ قال: ما أرى عليه شيئا، وما الدابة عندي بمنزلة الإنسان يصيبه ما لا يستطيع أن يدع سلاحه لموضع خوفه، فلا أرى عليه شيئا في ذلك، قال ابن القاسم: وإن كان أصاب إنسانا فعليه، ولو كان أصاب دابّة في حضر فعليه، قال سحنون: السفر والحضر واحد وعليه الغرم.
قال محمد بن رشد: تفرقة مالك في هذا بين الدابة والإنسان استحسان، والقياس على أصولهم في أن أموال الناس تضمن بالعمد والخطأ قول سحنون، ووجه ما ذهب إليه مالك أنه رآه مغلوبا عليه في هذه الحال، فلم يكن جناية فيها بقصد، فأشبه جناية المجنون فقوله في هذه الرواية على قياس القول بأن ما أصاب المجنون من الأموال هدر، وما أصاب من الدماء يكون حكمه فيها حكم الخطأ، تحمل العاقلة منه ما بلغ الثلث فصاعدا وهو قول ابن القاسم في رسم العشور من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب، وقد قيل: إن حكمه حكم الخطأ في الأموال والديات، وهو قول مالك في أول رسم من سماع أشهب بعد هذا، وقيل إنه فيما جنى في الأموال والدماء كالبهيمة وبالله التوفيق.